عبد الناصر فقيه
عن جريدة الانتقاد
أكراد سوريا في وجه "المعارضة" المسلحة... مفاجأة شغلت بال الدول الداعمة للحراك المسلح، بعد الفتيل الذي أشعلته الجماعات المسلحة إثر تحصن عناصرها في حي الأشرفية بمدينة حلب، الذي تقطنه غالبية كردية مدنية، وقتل كل من يعارض وجود المقاتلين "المعارضين" في الأحياء الشعبية. "المعارضون" لم يكتفوا بالتحصن في حي الأشرفية، متسببين بسقوط ضحايا مدنيين، بل انتقلوا إلى معركة "تحرير" بلدة قسطل جندو في ريف حلب، حيث كان رأس الحربة في المعركة جماعة "جبهة النصرة" (تكفيرية)، التي قالت إنها تريد "أسلمة" القرية، معتبرة أن أهلها الأكراد الأزيديين "كفار"، حيث شهدت البلدة 3 موجات من الاشتباكات من دون أن يتزحزح الأكراد من القرية.
التطور الجديد رسم خارطة عسكرية مختلفة، طرفاها أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي السوري (كردي)، يؤازره حزب العمال الكردستاني (المتمدد في تركيا والعراق وسوريا) من جهة، ومقاتلو "الجيش الحر"، بمشاركة "جبهة النصرة" من جهة ثانية، وقد أسفرت الاشتباكات بين الأكراد و"المعارضة" المسلحة عن سقوط عشرات القتلى من الجانبين، وسط عمليات خطف متبادلة أعقبها تبادل محتجزين.
الهجمات على حي الأشرفية، ومن بعده بلدة قسطل جندو (بإيعاز من المخابرات التركية كما يقول الاكراد) دفعت بـ"الاتحاد الديمقراطي"، الذي كان يُعد معارضاً للنظام، إلى تجهيز "لجان شعبية" بهدف حماية المناطق السكنية الكردية من هجمات المسلحين، على امتداد المنطقة الممتدة من محافظة الحسكة إلى الجزء الشمالي من ريف حلب مروراً بالقامشلي، حيث يشكل السوريون الأكراد نحو 15 في المئة من مجموع سكان البلاد، أي ما يقارب مليوني شخص.
مرهج: مناطق جنوب شرق الاناضول أصبحت بين فكي كماشة
الأمين العام لحزب الشباب الوطني السوري (معارضة الداخل)، ماهر مرهج كشف عن "تواجد ما لا يقل عن ألفي مقاتل من حزبي "العمال" و"الاتحاد الديمقراطي" في المناطق التي بدأوا في إدارتها بالشمال الشرقي من سوريا"، وفي حديث خاص لـ"الانتقاد"، أشار إلى أن "جزءاً واسعاً من الأكراد غير راضين على أداء ما يعرف بالجيش الحر، وهناك انتقادات من تهميش الأكراد، ودورهم السياسي في البلاد خصوصاً أن "مجلس اسطنبول"، لا يحمل في تمثيله أياً من الأحزاب الكردية الأساسية"، وذكَّر مرهج بأن "الشارع الكردي السوري يضم 13 حزباً، يحوز فيها "الاتحاد الديمقراطي" الأغلبية الكبرى من التأييد الشعبي في هذا الشارع، فضلاً عن كونه مقربا من حزب العمال مع ما يمثله من امتداد جغرافي إقليمي للأكراد".
ويؤكد مرهج أن "مجريات المعارك بين الأكراد و"المعارضة" المسلحة تعكس تحول منطقة ريف حلب من ممر لتهريب الأسلحة والمسلحين، ومناطق سيطرة لمقاتلي "الجيش الحر"، إلى مأزق فعلي، فلم يبق من جهة الشمال السوري سوى إدلب، وهو ما قد يريح الجيش السوري في عملياته العسكرية القادمة ضد المسلحين".
"الجانب التركي حاول التدخل عبر الورقة الكردية التي انقلبت عليه"، هذا ما يخلص إليه الأمين العام لحزب الشباب الوطني، الذي يرى أن "جميع الاوراق التركية احترقت بما فيها المنطقة العازلة التي أقرت انقرة بعجزها عن تنفيذها"، وأضاف مرهج إن "أقصى ما استطاعت الحكومة التركية أن تفعله هو الطلب من قواتها المسلحة الرد ببضعة صواريخ وقذائف، وتحليق مروحي وحربي في إطار المجال الحدودي"، ولفت إلى "قيام دمشق بإعطاء ضوء أخضر إلى الكردستاني يتيح له حرية في التحرك في مناطق الشمال الشرقي، وهو ما كانت تخشاه تركيا بقوة، حيث أصبحت بعض مناطق جنوب شرق الأناضول بين فكي كماشة".
وينبَّه مرهج إلى أن "الحسكة والقامشلي مناطق سهلية ما يتيح حركة عسكرية مريحة للمقاتلين الأكراد، فضلاً عن تواجد قرى كردية تتيح لهؤلاء المقاتلين التخفي بين الأوساط المدنية، على العكس من الجبال المقفرة بين العراق وتركيا، التي تتعرض يومياً لغارات جوية من الطائرات التركية".
إبراهيم: أنقرة ارتكبت خطأ فادحاً عندما استهدف "الجيش الحر" المناطق الكردية
لكن ماذا يريد الاكراد السوريون؟، الأمينة العامة لحزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية (كردي سوري) بروين إبراهيم أوضحت أن "لنا مطالب سلمية، وهي حقوقنا التي يجب أن يتم الاعتراف بها، وعلى رأسها الاعتراف الرسمي باللغة والثقافة الكردية"، وفي تصريح لـ"الانتقاد"، شددت إبراهيم على أن "الأكراد واحد، ولا يمكن تفريقهم في زواريب "المعارضة" وهم أنفسهم يقفون إلى جانب الجيش السوري لحماية أي اعتداءات عليهم"، وكشفت أن "الشباب الأكراد الذين كانوا على الحياد، انضموا إلى اللجان الشعبية، وآزروا الجيش الوطني، بعدما رأوا ما فعله المسلحون "المعارضون" في قراهم وأحيائهم من تجاوزات، بينما حمل فريق آخر من الشباب السلاح إلى جانب حزب العمال الكردستاني، وهم مستعدون للقتال في الصفوف الأمامية".
وتحدثت إبراهيم عن أن "الحكومة التركية فشلت عبر محاولة تكوين أحزاب كردية، تحت مسمى "المجلس الوطني" الكردي، بالتوازي مع اعطاء أهمية لرئيس "المجلس الوطني" السوري عبد الباسط سيدا (كردي)"، وطمأنت إلى أن "القوى الكردية المحلية لا تنفصل عن بعضها، وعن محيطها الآخر في العراق وتركيا"، وأشارت إلى أن "الأكراد مكون واحد سيدفع الاتراك إلى إعادة حساباتهم بعد ما شاهدوه من وحدة بين قواه"، ورأت إبراهيم أن "أنقرة ارتكبت خطأ فادحاً عندما دفعت "الجيش الحر" إلى استهداف المناطق الكردية، وهو ما كشف عنه سيدا عندما قال إن ذلك لم يكن الاتفاق مع الاتراك".
نور الدين يتوقع "تجاوباً تركياً مع حل سلمي" في سوريا تحت تأثير المشهد الكردي
الكاتب اللبناني، والخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، تحدث عن "مفاجآت تظهرها الأزمة السورية يوماً بعد يوم"، وفي حديثه لـ"الانتقاد"، عزا نور الدين الأمر إلى "قراءة غير واقعية لتداعيات الأمور من الجانب التركي"، وأضاف إن "ظهور الشريط الكردي منذ عدة أسابيع، وسيطرة حزب العمال على معظمه، لم يكن في حسبان الأتراك الذين فوجئوا بالحضور العسكري للحزب داخل مدينة حلب"، ويحمل هذا الحضور "أكثر من رسالة إلى أنقرة"، بحسب نور الدين، الذي يرى أن "للتطور النوعي آثاراً إيجابية قد تدفع الاتراك إلى صرف النظر عن فكرة التدخل في الشأن السوري، التي يبدو أنها أصبحت وبالاً عليهم"، وبناءً على ذلك يتوقع الكاتب اللبناني أن "تتجاوب أنقرة مع مساعي الحل السلمي عند الجار الجنوبي، لأن الأزمة ما تزال تخبئ مفاجآت يملكها المحور الدولي الذي يساند دمشق".
وجزم نور الدين بأن "التركي نزع من رأسه في المرحلة الحالية، فكرة المنطقة العازلة، وقد تكون الحكومة التركية في بداية التعاطي المختلف مع القضية السورية"، وإذ يحذر الكاتب اللبناني من أن "فكرة التدخل العسكري لم تلغ من القاموس التركي كلياً"، إلا أنه أشار إلى أن تصريحات وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الاخيرة عن عدم التحاور مع الحكومة السورية "هي خارج السياق، والوهج الأخير في شمعة سياسة القطيعة مع النظام السوري"، ويدخل نور الدين "في الحسبان تداعيات الأزمة على الواقع التركي من النواحي الاقتصادية (الخسائر التجارية) والاجتماعية (الأقليات الدينية التركية المعارضة للتدخل الرسمي في سوريا) فضلاً عن الصورة الخارجية لأنقرة التي تضررت، كبلد يسعى إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى".
مصادر تركية: مخاوف خليجية وأردنية وقواعد انتخابية لأردوغان باتت تعارضه
مصادر تركية، كشفت لـ"الانتقاد"، عن "معارضة واسعة في الأوساط الشعبية التركية لسياسة حكومة حزب العدالة والتنمية الخارجية"، وتدلل على ذلك "باستطلاع رأي يظهر أن 30% من القاعدة الانتخابية للحزب ترفض أداء رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان"، وتستشف المصادر التركية من "مناخ أحزاب الأخوان المسلمين في مصر وتونس والأردن، أنها لم تعد ترى قدرة عند حكومة أردوغان في التأثير لتغيير الوضع في سوريا"، وتضيف المصادر إن "الأردن ودولاً خليجية عبَّرت عن مخاوف من تنامي قوة جماعة "الإخوان" ما قد يدفع الأخيرة إلى تغيير خطة الحراك نحو الصحراء، وما نشهده في الكويت والأردن مؤشرات على انعكاس ارتدادي قد يبدأ قريباً".