هشام الناصر- خاص بموقع القامشلي و صفحة الفيسبوك
بعد أن نشرنا بياناً باسم أهل القامشلي نستنكر فيه ما حصل للطفل الذي تعرض للإهانة و التعذيب في شارعٍ عام في منطقة سكنه-فيلات مطار القامشلي- وعلى مرأى و مسمع من أبناء جيرته و أهله، و نخصّ بالذكر أبيه الذي وقف حائرا بين لوعته كأب يرى ابنه في موقف المستغيث، و بين مقدرته كمواطن مستضعف على التصرف أمام الضابط العميد المستهتر و عسكره، الضابط العميد الجار الذي لم يراعي حرمة الجيرة أولاً، و لا مشاعر أب يقف مستسلما أمام صرخات ابنه المستغيث به ثانياً، و لم يهتم لمشاعر طفل مراهق يستعد لدخول مرحلة الرجولة محاولا أن يصقل شخصيته التي تضعضعت على مرأى من خلانه و أبناء المنطقة هذا ثالثاً. أما رابعاً و ليس أخيرا فإن هذا الضابط لم يحترم الرتبة العسكرية التي يضعها على كتفيه، و أساء استخدامها، فجعلها نقمة على الناس بدلاً من أن تكون نعمةً لهم، و بدلا من أن يكون حارساً لأمنهم-بغض النظر عن كونهم جيرانه أو مجرد مواطنين لا يمتّون له بصلة- بمقتضى رتبته العسكرية و الوظيفية، أصبح هو من يقضّ مضجع أمنهم، أمن جيرانه.
و لإن الكثيرين لم يسمعوا بقصة تعذيب هذا الطفل في مدينة القامشلي، و البعض الآخر آثر السلامة و التظاهر بعدم معرفة القصة مستسلما لمبدأ تجسده مقولة كرستها سنوات الاضطهاد و الاستبداد"المشي جنب الحيط و القول يا ربي سترك"،خصوصا أن الحادثةوقعت في أطراف المدينة، مدينة القامشلي التي لو أخذ أحدهم شهيقا في شرقها لشعر بالزفير من هو في غربها، مدينة القامشلي التي تنتشر فيها الأخبار أسرع من انتشار النار في هشيم مواسمها-التي أصبحت هزيلة في السنوات الأربع الأخيرة نتيجة الجفاف الذي دفع معظم أبناءها للهجرة خارجها -.
هذا الخبر كغيره من الأخبار الكثيرة تحاشته كما اعتادت أن تفعل وسائل الإعلام الحكومية لتكرّس أكثر من لامصداقيتها، غير مستفيدة من تجارب التاريخ و الحديثة منها على وجه الخصوص كما حصل و يحصل مع وسائل الإعلام الحكومية في مصر و ليبيا. و كذلك الأمر بالنسبة لما يسمى بوسائل الإعلام الخاص التي ليست في حقيقتها إلا رديفا للإعلام الحكومي، وذيلا يحاول الابتعاد عن النمطيّة و الرتابة في الشكل ولكن مع المحافظة على المضمون الخشبي البالي ، فنجد تلك المواقع الالكترونية التي تندرج تحت مسمى الإعلام الخاص، تمارس دورها في نشر أخبار الحوادث عن انتحار و جرائم شرف و سرقات و أخبار "طريفة" ،لكنها تمتنع عن دورها الإعلامي الأساسي بتسليط الضوء على الخطأ و محاولة معالجته و إيجاد سبل التوعية اللازمة المناطة بدور الإعلام الحقيقي، و لفت أمر المعنيين من هم في هرم القيادة إلى الممارسات الخاطئة لمن هم بعيدون عم المركز.
بعد أن نشرنا الخبر والبيان جاءنا عدة تأكيدات عن مصداقية الخبر من قبل أطباء يعملون في المشفى الوطني القريبة من المكان، و استطعنا الوصول إلى أسرة الطفل التي شكرتنا على دورنا في نشر الخبر تماما كما حصل بدقة، و شكرتنا على البيان و طريقة صياغته في التعبير عما يعتمل في صدورهم. لكن الأسرة بدورها رفضت التعاطي مع الإعلام-ونحن نحترم رأيهم-. و أكدوا لنا أنهم أوصلوا شكايتهم بخصوص الموضوع إلى السيد معذى نجيب سلوم محافظ الحسكة ليقوم بدوره و إيصال الشكوى إلى القيادات العليا في البلد. و أكدوا على حبّهم لسوريا الوطن الغالي، و انطلاقاً من هذا الحب فإنهم يحرصون على كرامة المواطن السوري و حقه أن يحيا في سلام و كرامة في بلده.
بقي أن نذكر أن الطفل الذي تعرض لهذه الحادثة البشعة هو الطفل محمد عسكر ، ووالده هو الطبيب فيصل عسكر، الذي يحظى بمكانة طيبة و سمعة جيدة بين أبناء مدينة القامشلي. و تقطن العائلة في منطقة الفيلات بالقرب من المشفى الوطني. و إلى جوارهم يقطن رئيس فرع الأمن العسكري و تنتصب ثكنة جنوده في الشارع معطيةً إيحاءً بقرارمنع تجول في الشارع، مثيرةً قلق المارة الذين يحاولون تجنب المرور بالشارع، واستبداله بآخر. مع العلم بأنه كان قد صدر في وقت سابق قانون يمنع وجود ثكنات و أكشاك حراسة للضباط في المناطق التي يقطنها مدنيون.
و لالتزام الحيادية في الطرح يجب أن نعترف بأن الإنسان خطّاء، و الطفل في عمر محمد هو عرضة لممارسات صبيانية قد تكون خاطئة، رغم معلوماتنا الأكيدة من جانب من يعرف محمد بأنه طفل مهذب و لم يبدر منه أي اساءة تجاه العميد أو عساكره، جلّ ما فعله هو أنه قام بإخراج سيارة والده من كراج البيت ليجهزها لوالده ليذهب إلى عمله-علما أن المسافة بين الكراج و مدخل المنزل لا تتعدى العشرة أمتار- فناله ما ناله من تعذيب و إهانة.
و نفي ما نقوله هو رهن رد العميد خصوصا في ظل تقدم الطبيب فيصل عسكر- والد الطفل -بشكوى كما أسلفنا لمحافظ الحسكة لإيصال ما حصل إلى القيادات العليا في البلد، دفاعا عن كرامة المواطن السوري في المقام الأول، و دفاعاً عن صورة الأب السوري تجاه أطفاله المسؤولين من والدهم بالحماية و الأمن و الحياة الكريمة.
و بغض النظر إن كان هنالك خطأ ما قد ارتكبه الطفل محمد، فإننا لن نرفع سقف مطالبنا و نطلب الامتثال لمقولة السيد المسيح الشهيرة " من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها" ، لذلك سننزل إلى أرض الواقع و نؤكد على مشروعية حقنا في طلب سيادة القانون،و إن كان الطفل محمد قد أخطأ بحق العميد، فللعميد حق التقدم بشكوى ضده , و عرضه على النيابة و المحكمة. فسيادة القانون تقتضي الفصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية، بين من يصدر القرار و بين من ينفذّه، بين الخصم و الحكم، فلايتحول حامي أمن المواطنين إلى حرامي أمن المواطنين.
وإذا كان لكل امرىءٍ نصيب من اسمه، فإن نصيب الطفل محمد عسكر من اسمه جاءه مبكراً على هيئة مهانة و تعذيب من جيرانه العسكر.