Mar 1, 2011

أنيس حنا مديواية يتذكر

الأستاذ أنيس حنا مديواية في مكتبته-نضال اللواء- في القامشلي

تعريف :الأستاذ أنيس حنا مديواية" من مواليد "لواء اسكندرون" حاصل على الابتدائية الفرنسية والسورية، وبعد خروج الفرنسيين عيّن رئيساً لمصلحة الانتاج لدى مالية "القامشلي" وعيّن عام 1958 رئيساً للجنة الدفاع عن "لواء اسكندرونة". ونجح في انتخابات "الاتحاد القومي" إبان الوحدة بين سورية ومصر ممثلاً للتربية والتعليم. يتكلم الفرنسية والانكليزية والتركية الى جانب العربية، متزوج وله ولدان وثلاث بنات وله كتاب مطبوع هو "منهل الاملاء" والعديد من القصص التي نشرت في جريدة "الانتقاد" اللبنانية.


جريدة النهضة
6 كانون الأول 2010
رضوان محمد أمين


يقول السيد أنيس مديواية: زار حضرة الزعيم دمشق عام 1948 وكان يرافقه الأمين لبيب زويا عميد الثقافة والفنون الجميلة آنذاك، والرفيق زكي نظام الدين وكنت رابعهم، وقبل الانطلاق من مكتب الحزب الذي كان في المعرض (بيروت) في الطابق الأعلى، نزلت من المكتب وبيدي صورة للزوبعة بقياس 20+20 سم أخذتها من الأمين جورج عبد المسيح الذي كان جالساً وراء الطاولة، وكلّي حماس واندفاع وألصقتها على واجهة السيارة التي ستقلنا وهي (السيارة) للرفيق زكي نظام الدين (من القامشلي).

وبدخول السيارة لاحظ صورة الزوبعة على واجهة السيارة من الأمام.

فقال لي: يارفيق أنيس من وضع الزوبعة؟..

فقلت له: أنا يا حضرة الزعيم، إذا لم ترق لكم فسوف أنزعها.

فقال: طالما ألصقتها اتركها.

وبمرورنا في ساحة البرج المكتظة دائماً بالمارة والسيارات وإذ بشرطي السير يلاحظ بأن هناك سيارة قادمة وعلى واجهتها زوبعة، فتهيأ الشرطي المذكور فوراً ورفع يده اليمنى بالزاوية القائمة وأمام الجميع ألقى التحية وفسح الطريق للسيارة لتمر وسط الازدحام الشديد، هنا ابتسم حضرة الزعيم ووجه حديثه لي قائلاً: يارفيق أنيس عملك أثمر.

واستمرت السيارة بطريقها إلى دمشق، وفي منتصف الطريق بين بيروت ودمشق وعلى الجهة اليمنى كانت هناك صخرة كبيرة قائمة (وأعتقد أنها لا زالت قائمة) ما إن وصلناها حتى قال حضرة الزعيم: هذه هي الحدود الطبيعية الفاصلة بين لبنان والشام كما رسمها المستعمر؟..

وصلنا دمشق، فنزلنا في مكتب الحزب الذي كان في عين الكرش آنذاك وكان رفيقان لنا يلعبان كرة الطاولة (البينبونغ) أحدهما كان الرفيق المحامي بشير الموصلي، والآخر لا أذكره، فتقدم حضرة الزعيم منهما (بعد التحية) قائلاً: من المغلوب بينكما؟ لينسحب، لأكمل اللعب بدلاً عنه.

بعد ذلك توجهنا لدار الأمين عصام المحايري وكان الوقت ظهراً وقبيل الغداء عنده، طلب حضرة الزعيم قراءة الصحف الصادرة آنذاك، فإذ بالرفيق نزار المحايري يلبي الطلب فيقدم للزعيم مجموعة من الصحف الصباحية، فراح حضرة الزعيم يتفحصها، وإذ به يفاجأ بالخبر التالي:

ولادة حزب جديد باسم الحزب التعاوني الاشتراكي ومؤسسه السيد فيصل العسلي، وبقراءة المبادئ لهذا الحزب الجديد تبين أن أغلب محتويات هذه المبادئ مأخوذة من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.

فابتسم حضرة الزعيم قائلاً: السيد فيصل العسلي قد قلّد الأستاذ أكرم الحوراني (الرفيق المفصول ومنفذ حماة سابقاً) الذي سبق أن أنشأ الحزب الاشتراكي العربي والذي مبادئه أيضاً شبه مأخوذة من مبادئ حزبنا، فرد عليه الأمين معروف صعب والذي كان موجوداً بيننا قائلاً ومستغرباً: حضرة الزعيم، السيد العسلي كان على موعد معي وإني لازلت بانتظاره وقد جرت لقاءات كثيرة بيننا وأبلغني مؤخراً أنه مستعد للقسم للحزب.

في أحد الأيام وعندما كنا نرافق حضرة الزعيم أنا والرفيق زكي نظام الدين والدكتور راتب الحراكي من داره في الشوير إلى المخيم القومي المقام على تلة الدحداح في ضهور الشوير عام 1948، ونحن في الطريق، إذ بمجموعة من الرفاق القوميين من إحدى القرى المجاورة محيين الزعيم قائلين مستنفرين: بأن بعض أفراد من حزب الكتائب يضايقونهم وقد حاولوا منعهم من إقامة الاجتماع الدوري للمديرية، وطلبوا منه بأن يسمح لهم بمواجهتهم، فابتسم الزعيم وقال: هذا شيء جميل بأن أعضاء من حزب الكتائب أخذوا يشعرون بالضيق من وجود الحزب القومي في قرى يعتبرونها قراهم ولهم وحدهم، فقال، تجنبوهم ولا أريد أي اصطدام معهم.

كنت في بيروت عام 1948 وطلب إلي الرفيق جورج هرموش والأستاذ والصحفي جوزيف هرموش صاحب مجلة الانتقاد البيروتية آنذاك أن نأخذ له موعداً من حضرة الزعيم لإجراء حديث ومقابلة صحفية، فكانت المقابلة موسعة وشاملة لجميع الجوانب، السياسية والاجتماعية، حيث دارت حول شروح في العقيدة والأوضاع اللبنانية وبعد الانتهاء من المقابلة صرح الأستاذ جوزيف هرموش بأنه لم يصادف في حياته سياسياً كان أم زعيماً كالزعيم أنطوان سعادة، بشخصيته الأخاذة وعمق تفكيره وإيمانه المطلق بعقيدته ووحدة أمته.

في صيف 1948 ونحن في مدينة القامشلي طلب إليّ الرفيق زكي نظام الدين أن نسافر إلى لبنان وليتعرف القوميون على حضرة الزعيم، فسافرنا من القامشلي إلى مدينة حلب بسيارة الرفيق زكي نظام الدين الخاصة، وبحلب رافقنا الشهيد الصدر عساف كرم، فمررنا على مدينة حماة، حيث قابلنا الرفيق إبراهيم العظم بداره والرفيق جورج حمصي ولم نوفق بمقابلة المنفذ العام آنذاك الرفيق سروري بارودي، حيث تابعنا سفرنا لمدينة المعرة أيضاً حيث الدكتور والرفيق راتب الحراكي وقبيل الفجر وصلنا إلى ضهور الشوير، حيث نزلنا بالمخيم القومي على تلة الدحداح وكان المسؤول عن إدارته آنذاك الرفيق جورج عطية.

قبل أن ينتصف النهار توجهنا نحن، والشهيد الصدر عساف كرم، والرفيق زكي نظام الدين، والرفيق الدكتور راتب الحراكي، وغيرهم ولم أعد أتذكر واحداً فقط منهم بعد مضي هذه السنوات الخمسين، توجهنا إلى الشوير حيث إقامة حضرة الزعيم فمررنا على داره فلم نجده بل وجدنا حضرة الأمينة الأولى وبناته الثلاث، صفية، راغدة، أليسار، والتي قالت إن الزعيم غير موجود بالدار، وستجدونه على بعد قريب من هنا، فاسلكوا هذا الطريق (إشارة لنا على الاتجاه الذي سلكه)، وقبل الوصول إليه إذا أحد القسيسين صادفناه راجعاً، فابتسم لنا وقال تحيى سورية، يا رفاق لا شك أنتم قادمون من الشام وتنشدون الزعيم سعادة زعيم الأمة، استمروا بالسير في هذا الاتجاه فتجدونه.

وصلنا إلى المكان المطلوب بعد اجتيازنا غابات الصنوبر الخضراء وكان الضباب يغمرها والرياح اللطيفة الناعمة تلفها، وإذا نحن أمام حضرة الزعيم سعادة بشموخه وعظمته.

فتقدم كل منا إليه بالتحية، بدأ الرفيق زكي نظام الدين يقدمنا إليه واحداً تلو الآخر إليه على اعتبار الرفيق زكي نظام الدين على اتصال دائم مع حضرة الزعيم، أكمل حضرة الزعيم حديثه مع رفيق وقريب له حول قطعة أرض تخص القريب، وبجوارها قطعة أرض مكملة لها تخص حضرة الزعيم موجهاً كلامه إلى القريب:

إنني أرغب في شراء قطعة أرضك لأضمها لقطعة أرضي لأبني عليها دار الزعامة لأن القطعتين مكملتان لبعضهما البعض كما ترى أو أني أعرض عليك شراء أرضي فما قولك:

فقال القريب: كما تريد حضرة الزعيم لتكن لك.

وبعد الانتهاء من الحديث المذكور، طلب إلينا حضرة الزعيم ومن الجميع التوجه والذهاب إلى المكان القائم وسط غابات الصنوبر العاطرة، وهناك أخذ يحدث الجميع عن المفاهيم القومية والاجتماعية وعن حضارات سورية، ثم توجه بحديثه لي وللرفيق زكي نظام الدين قائلاً سأزور الجزيرة وأزور القرى الآشورية على ضفاف الخابور، وثم أعمل على ترجمة وطبع المبادئ باللغة السريانية لأن هؤلاء المواطنين من السريان والكلدان وآشوريين بحاجة إلى إيقاظ شعورهم الوطني القومي النائم، ولحثهم على ضرورة التفاعل الاجتماعي والوطني وهكذا أخذ يتكلم عن تاريخ المنطقة وحضارتها.

في شهر آذار 1948 في حين كنت في بيروت ولدى زيارتي لحضرة الزعيم أنطون سعادة إذ برفيق يدخل قائلاً بعد التحية:

حضرة الزعيم إن مدير مديريتنا سيسافر إلى بلاد الغربة، ولدى مديريتنا رفيق بأخلاق حميدة لا يشرب، لا يدخن، متعلم، ابن العائلة. أقترح أن يكون هذا الرفيق مديراً لمديريتنا.

فرد عليه حضرة الزعيم مستفسراً.

هل هذا الرفيق له حضور قومي في لقاء القرية ويحضر اجتماعات المديرية.

وهل عمل لإدخال مواطن من القرية للحزب؟

فقال له الرفيق:

له حضور قليل في القرية، ويغيب أحياناً عن بعض اللقاءات، ولم أسمع بأنه عمل على إدخال مواطن للحزب.

فرد عليه حضرة الزعيم قائلاً:

يا رفيق إذا كانت لديك ابنة للزواج، زوجها له، لأنه لا يصلح أن يكون مسؤولاً في المديرية.

No comments:

Post a Comment